top of page

في كتاب حياة بين [قوسين] للشاعر صلاح الحمداني

كوابيس شعرية عن العراق

بقلم موسى الخميسي / روما 2006

موسى الخميسي

في كتاب حياة بين [قوسين] للشاعر صلاح الحمداني

كوابيس شعرية عن العراق

بقلم موسى الخميسي / روما 2006

 

http://www.mandaeanunion.org/Views/AR_Views_264.htm

 

لصلاح الحمداني في كتابه" حياة بين قوسين" أسلوب فريد في استعادة خيال الذكرى، في الصنيع الفني الذي يشعر القارئ، بأنه يعيد إنتاج ذلك الصنيع واقعيا، من خلال إحضار تلك الذكريات، ليؤثث عليها واقع مغاير، فيجعل من ذلك الصنيع لدى القارئ، أفكار محتملة الرؤيا، عملها وحياتها وعلاقاتها، فرحها وانكساراتها ومعاناتها، مدونة بكلمات تستحضر تفاصيل الألم في الجسد العراقي وكأنه فتنة شعرية، يستخرجه الكاتب من لوحات العراق الغائب الحاضر، بصور متشظية عن الواقع، ليتحول كل شيء، إلى مصدر خيال وكأنه مخطوط بحذق وانتباه وزهد، كتبه إنسان ألغى المسافة المفترضة بين منفاه ووطنه، ليكون المنفى مختبرا للحقائق، وسؤالا صعبا عن الناس الذين أحبهم، ليعيد اكتشاف مدينته وناسها، وكأنه في رحلة ضالة بحثا عن خلود مستحيل.

خيال يمتد بفضاء الصنيع الأصلي، وكل حكاية من حكايات الكتاب الاثنتا عشر كأنها عرض مسرحي يتسع إلى التسامي بلحظة الخلق الجمالية للعبارات الشعرية، انه جمال من صنع رسام عراقي حاذق، لا يعرف المخادعة، يرنو، وربما بشكل أساسي، إلى ملامسة أحاسيس المتلقي ووضعه في الموقع الأمثل لتقبل ما يراه بجهد أحيانا، والجهد هنا مطلوب لإبعاد السلبية عن المشاهد. لقد خلق بهاجس تعبيري شخوصه على اللوحة ليكون كل منها موضوعا راود مخيلته، نتيجة لحال ذهنية واستجابة واضحة، لحاجة يمليها واقع متغير ، ومتعثر أيضا عاشه الكاتب الفنان، أيام الطفولة والصبا والشباب ، في محلة الفضل الشعبية بقلب بغداد.

الكاتب يقوم بإزاحة نفسه من شخصية إلى شخصية أخرى، ومن مكان إلى آخر، ومن إيماءة إلى أخرى، فكل نص كتبه يصلح لان يكون عملا روائيا ينجح في خلق التوقد على وصف واف لتجربتنا جميعا كعراقيين مع هذا النمط من السرد، فهو يعرض إعادة التعريف بواقعنا، كما انه يمزق السردية بان يجعلها تدور بين شخصيات مختلفة، لا تتلاشى، بل تظل مركونة بحزن جليل، في وجداننا جميعا من خلال هذا التواصل ما بين الراوي والمروي، في واقع أشبه بالحقائق، التي طالما تمنينا أن يصنعها خيالنا لا تصنعها الحياة بالحقيقة. وجوه يفتح الأبواب أمام حزنها، كأنهم ضيوف يأتون، كأنها أماسي تفرش بساط اليأس، كان كل واحد منهم ليلا يذهب ليحدث النجوم عن محنته، وجوه تحمل الرقة والنضارة وسط بؤس العذاب ويأس الفقر وخشونة وغلاضة الآخر، الذي لم يعرف الرحمة، وهو يواجه الأجساد المغيبة والمحترقة، إلا أن هذه الوجوه، لازالت على قيد الحياة، تمثل جمال لا يتعرض للإذابة بفعل الزمن، جمال إنساني وأن كان حزينا وأكثر ضراوة، إلا إنها مشهد تمثيلي على مسرح الحياة، يقدمه صلاح الحمداني بمهارة فائقة.

يرسم الحمداني مشاهد شخوصه بتلقائية، إلا انه وبلغته العذبة التي تتوارى أحيانا خلف الألوان، ليحمل لنا قدرا هائلا من التوتر، يصوغ سؤاله الصعب عن مصير الإنسان العراقي، وعن هذا الحجم الكبير من الخوف الذي يصل مستوى الذعر، الذي يؤول مصيره، فالحمداني يستبق الخوف خطى شخوصه المحفورة بأرض اسمها العراق، ترجمها الأصقاع بخبز الجوع، وجف مطرها المحموم، سنوات وسنوات، على الجبهات العجفاء، لتنهش بلحمها مخالب الظلمات. كل قصة هي صرخة في ملكوت الله، وكل بطل من أبطال هذه القصص هو نبي من أنبياء الأزمان السائبة، أنها رهين المنفى والأقدار المظلمة والأسفار، مع انه لاستطيع الابتعاد عن الوطن المكتوب تاريخه بالرماد والحرائق المشتعلة، فكل جرح من جروح هذا الوطن، هي مصدر الإحساس بالمباغتة، وهي إحساس من شانه أن يبقي لحظة الخلق مطاوعة ومرنة وطرية، كما لو إنها ولدت للتو من زمنها العاصي المعتم الذي حملها جروحه وندبة ومآسيه وبؤسه، وهو واقع العراق أيام الحكم الفاشي.

أحياء أبو سيفين وطاطران وبني سعيد والفضل وشارع الكفاح (غازي) وحكاية قلفز وجسد حميد المحمول بالكيس وهالة وسمسم الذي يفتح ولا يفتح، والشيخ شانسو، هي معضلات مفتونة بألم كبير، لها قلب يلقي بظلاله على المحبة الإنسانية بصوت الضمير السردي ليعيد بناء عناصر لا تحصى من حياتنا جميعا، أنها مركب ملتبس، يعري صلاح الحمداني هوياته، ويكشف وهم ثباته، ليولد في أذهاننا أسئلة عن المرارة في بلاد دامية ومؤلمة، وضعها الزمن بين قوسين ظالمين.

 

 

bottom of page