top of page

صلاح الحمداني ـ من دفتر عراقي في المنفى 

وقفت مع الفلسطينيين فأحلت إلى المحكمة بسبع تُهم

 تنويــه:

عرضت هذه المسرحية قبل سقوط الطاغية صدام

وقبل أن يمسخ حزب البعث الفاشي ويتحول إلى "داعش"

 

صلاح الحمداني يمثل شخصية "وليد الفلسطيني" في مسرحية كفرشما

مع فرقــة الحكواتـي الفلسطينيـة في القـدس

 

من اليمين : فالنتينا أبو عقصة، صلاح الحمداني [في الوسط] وزين الدين سويلم

صلاح الحمداني، عمار خليل، إدوارد المعلم وإيمان عون

 

صلاح الحمداني [في الوسط] مع عمار خليل وإدوارد المعلم

فرقة الحكواتي – القدس

مسرحية كفر شما، تأليف فرنسوا أبو سالم وجاكي لوبيك ومن إخراج فرنسوا أبو سالم

 

بين عامي [1988ـ1989] جسد صلاح الحمداني الشخصية الفلسطينية الرئيسية التي تمثلت بـ "وليد الفلسطيني" الذي يعود إلى قريته "كفر شما" بعد حصوله على شهادة دراسية من الخارج، ليجدها مهدمة تماما من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.. والمسرحية من تقديم فرقة "الحكواتي الفلسطينية في القدس" ومن إخراج "فرنسوا أبو سالم"، ومن تمثيل : صلاح الحمداني، عمار خليل، إدوارد المعلم، إيمان عون، زين الدين سويلم وفالنتينا أبو عقصة. وقد عُرضت المسرحية ضمن جولة أوربية وبلغات أجنبية مختلفة منها العربية واللهجة الفلسطينية والإيطالية... الخ.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 تنويــه:

نشرهذا المقال قبل سقوط الطاغية صدام

وقبل أن يمسخ حزب البعث العربي الفاشي

ويتحول إلى "داعش"

صلاح الحمداني : 

وقفت مع الفلسطينيين فأحلت إلى المحكمة بسبع تُهم

في شهر سبتمبر / أيلول سنة 2000 تنازعتُ علنا وفي الصحافة الفرنسية وأمام القضاء ضد سياسة إسرائيل القمعية للشعب الفلسطيني، وذلك بعد أن نشرت باللغة الفرنسية رسالة تضامنية طويلة مع القضية الفلسطينية، حملتْ عنوان "الأقزام لا تلد العمالقة"، وبسببها وُجهت ضدي دعوة تتهمني بالطعن والتشهير العنصري ومعاداة السامية اليهودية. وقد طالبتْ حينها محاميةُ الكاتب الصهيوني المعروف "دودية دوناكس"، في مرافعتها بتغريمي مبلغاً قدره 100،000 ألف فرنك فرنسي نتيجة الضرر المعنوي الذي لحق بموكلها، وأضافت أن ما ورد في رسالتي الموجهة إلى "دوناكس تتضمن الطعن والتشهير العنصري ومعاداة السامية.

 

بعد عام من المعاناة والتردد على القضاء، برأتني المحكمة في قصر العدل بباريس في الشهر السادس من عام 2001 من تهمة "العداء لليهودية والسامية" التي رُفعت ضدي.. وخلال هذا العام لم يتضامن معي أي مثقف فلسطيني أو كاتب عربي في العالم، علماً أن "محمود درويش" كان يعيش في باريس، بالإضافة إلى شعراء آخرين معروفين، مع أن خبر المحاكمة كانت تُتداوَل بكثرة في أشهر الصحف الفرنسية.

ما أفتخر به اليوم أن ثمة رسالة قرئت أمام القضاة، كان قد أرسلها مجموعة من يهود العراق الذين يعيشون في لندن، صرحوا فيها أن دولة إسرائيل عنصرية ضد الفلسطينيين.

 

الكاتب عدنان حسين أحمد

يحاور الشاعر صلاح الحمداني، صحيفة الزمان 2001 

صلاح الحمداني

الكاتب عدنان حسين أحمد

عدنان حسين : وصفك دوناكس ، كما وصف أغلب الأدباء العرب والمسلمين الذين ينشرون في دار هارمتان بأنهم من عشاق صدام حسين وحافظ الأسد والقذافي وخميني ، في حين أنك من المعارضين للنظام الديكتاتوري في بغداد ؟ هل لك أن توضح لنا هذا التشويه المتعمد ومحاولة خلط الأوراق ؟

 

صلاح الحمداني : ماذا كان يريد قوله هذا الدوناكس ؟ أن الشعراء العرب الذين نشروا قصائدهم ضمن سلسلة شعراء القارات الخمس لا يستحقون لقب شعراء ، لأنهم لا يمثلون غير بؤرة من المغرمين بالرؤساء والقادة العرب ممن يكرهون إسرائيل ، ولهذا فأن هؤلاء الشعراء العرب هم بالضرورة قريبون من حزب اليمين الفاشي المتطرف في فرنسا ، ومؤيدون لأفكار غارودي المعادي لليهودية . وهذا يعني ، لكي تكون أديباً وشاعراً عربياً بمنظار الغباء الصهيوني فما عليك إلا السكوت على ما فعلته إسرائيل بالعرب وبفلسطين ، وألا تقول أن شارون مجرم حرب . إن هذا الكاتب الصهيوني يعرف جيداً بأن الخطورة الفكرية لا تأتي إلا من معارضي الأنظمة الرجعية العربية ولهذا فهو أراد أيضاً وبشكل خبيث بالخلط بين الضحية والجلاد ، ولم تهمه مشاعري أو مشاعر هؤلاء الشعراء الذين وصفهم بعشاق صدام . متناسياً ، وهو اليساري الذي يدعي بنضاله من أجل السلام ، بأن هؤلاء الشعراء هم قبل كل شيء ضحايا سياسات صدام قبل أن يكونوا عشاقاً لخميني أو لغيره . نتمنى على هذا الصهيوني وغيره من الصهاينة في فرنسا أنهم قد فهموا أخيراً [أن سياسة إسرائيل طويلة الأمد] فرق تسد [لربما نجحت مع بعض القادة العرب ، ولكن هذه السياسة سوف لن تفلح أبداً مع الشعراء لأنهم ليسوا دولاً] .

 

عدنان حسين : في التهمة الموجهة إليك هناك خلط بين العداء للصهيونية والعداء لليهودية ، في حين أن موقفك المعلن هو إدانة السياسة الصهيونية العنصرية وإبادة الشعب الفلسطيني . أليس كذلك ؟

 

صلاح الحمداني : كما ذكرت برسالتي لدوناكس ، [بأن الفكر اليهودي في فرنسا ليس تافهاً بحيث يكون بحاجة إلى خدمات كاتب بوليسي نصب نفسه قاضياً لمحاكمة من ينتقد سياسة دولة إسرائيل العنصرية] . بالطبع أنا لا أملك عداء ضد اليهود كيهود ، كما لا أملك عداء تجاه أي دين من الأديان . أنا عدو الخباثة والوشاية والنميمة والطرق الجبانة بالنيل من الآخر ، وأنا عدو الصهيونية العنصرية التي تذبح منذ أكثر من نصف قرن الأطفال الفلسطينيين ، كما أنا عدو الفاشية والعنصرية بكل أشكالها وأينما وجدت . وأنا بالتأكيد لست صديقاً لدولة إسرائيل طالما هناك شعب فلسطيني يناضل لنيل حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة . ولكن ما ذكرته في رسالتي أثار حفيظته حين كتبت له : [إذا كانت إسرائيل هذه الدولة التي تذبح الشعب الفلسطيني وتصادر أرضه منذ خمسين عاماً ، تشعر الآن بخوف من كتاباتي الشعرية فإن هذا الأمر رائع ويدعوني إلى الاعتزاز بنفسي] . هذا هو ما دفع دوناكس إلى الخروج من عرينه ليتهمني بعدائي لليهودية مثلاً .

 

عدنان حسين : هل لك أن تحدثنا عن الوضع النفسي الذي أنتابك وأنت تمثل أمام محاكمة من هذا النوع ؟ ما هي انطباعاتك ومشاعرك الداخلية وأنت تدافع عن قضية عادلة لا لبس فيها أو غموض ؟ وهل تعتقد أن العدالة الفرنسية سوف تنتصر للحق أم إنها لا تستطيع أن تتخلص من الأخطبوط الصهيوني الذي يسيطر على مساحة واسعة من القضاء الفرنسي كما حصل لغارودي مثلاً ؟

 

 

صلاح الحمداني : بصراحة أنا لم أكن قلقاً أو خائفاً ، ليس لأن مقاضاتي بتهمة العداء للسامية واليهودية هو كذب وافتراء ، بل لأني كنت أعرف نفسي جيداً ، وأعرف ما يدور في داخلي من أفكار إنسانية بعيدة جداً عن هذه الحماقات . أضف إلى ذلك ، أننا نستطيع أن نتهم فرنسا ونقذفها بالشتائم كونها كانت دولة مستعمرة وتاريخها السياسي المعاصر ليس بالنقاء الذي نترجاه نحن العرب ، ولكنها تبقى رغم جميع الانتقادات بلداُ متحضراً وديمقراطياً . كنت مطمئناً في الأقل من هذا الجانب مع نفسي لأني لم أكن داخل محكمة عربية ، ويحكم على أي كان بالشنق أو بالموت رمياً بالرصاص ولأتفه الأسباب . ولم أشعر بالوحدة إذ كان برفقتي الأصدقاء والرفاق والشعراء وأساتذة جامعيون ومن كل الجنسيات والأجناس . ولكن ، وهذا ليس مبالغاً فيه ، كنت أفكر بين لحظة وأخرى ، ماذا سيحدث لو كنت أمثل بتهمة معاداتي لسياسة إسرائيل والصهيونية المجرمة بحق الشعب الفلسطيني أمام قاض إسرائيلي صهيوني يكره كل ما له صلة بالعرب ؟ وأنا لا أعرف صحة ما يقال في ما إذا كان هناك وجود أخطبوط صهيوني يسيطر على القضاء الفرنسي ، والفرق بين مقاضاتي بتهمة معاداة إسرائيل والصهيونية واليهودية وبالتالي السامية ليست لها أية علاقة تذكر بمحاكمة وإدانة غارودي من قبل القانون الفرنسي ، كوني لم أكتب كتاباً بخصوص اليهود وإنما كتبت رسالة جواب أفضح من خلالها وبشكل هجومي مباشر ما تفعله إسرائيل في الأراضي العربية المحتلة وأتهجم علناً على الصهيونية وعلى من يدافع عنها .

 

عدنان حسين : في مجموعاتك الشعرية المنشورة باللغة الفرنسية هل هناك ما يثير حفيظة المتربصين بالشعراء والكتاب العرب ؟

 

صلاح الحمداني : إذا كان هناك نظام رصدته بكتاباتي وقصائدي فهو النظام البعثي العفلقي الفاشي في بغداد . وإذا كانت هناك مجموعة سياسية أو قبلية تثار حفيظتها من قصائدي وكتاباتي فهي الرأسمالية العربية الخائفة على مصالحها الضيقة وكروشها ووجودها ، هذه الرأسمالية العربية الجبانة بمواجهة إسرائيل ، الرأسمالية البعيدة عن هموم واحتياجات المواطن الفلسطيني و المواطن العربي على حد سواء . لأنها لم تتوقف يوماً عن الاحتيال مع البرجوازية العربية المحلية لنهب خيرات شعوب المنطقة العربية الإسلامية وتقديم هذه الخيرات إلى ساسة الصهيونية الأمريكية . فليس من السهولة أن تجد نفسك بعد 28 عاماً من المنفى وفراق الوطن أمام محكمة فرنسية تقاضيك لأنك تهجمت وانتقدت علنا سياسة الدولة العبرية ، بينما الرأسمالية العربية والبرجوازية تعيش مزدهرة وتشفط بخيراتنا بينما نحن أولاد هذا الوطن مشردون في أنحاء المعمورة ومهانون وبلا مؤسسات عربية تعيننا على مواجهة أعتى وأشرس العصابات المنظمة في العالم ألا وهي العصابة الرأسمالية العربية والعصابة الصهيونية . هؤلاء هم من تثار حفيظتهم ، لأني أدنتهم ، وسأدينهم ، وسأتهجم عليهم وعلى من يدافع عنهم لأنهم أحد أسباب سيطرة ووجود الصهيونية في فلسطين وفي الوطن العربي والعالم . وهؤلاء هم السبب الرئيسي بانحطاط كرامة المواطن العربي منذ زمن بعيد ...

 

عدنان حسين : كيف جرت المحاكمة وما هو القرار القانوني ؟

 

صلاح الحمداني : لقد طلبت محامية الكاتب دوناكس في مرافعتها تغريمي مبلغاً قدره 150 آلف فرنك فرنسي نتيجة الضرر المعنوي الذي لحق بموكلها . وأضافت أن ما ورد في رسالتي الموجهة إلى دوناكس يتضمن الطعن والتشهير العنصري ومعاداة السامية . وبعد استماع المحكمة لمرافعات جميع الأطراف ، قامت ممثلة الادعاء العام بالرد وتفنيد الاتهامات التي جاءت على لسان محامية دوناكس . وأضافت المدعية العامة أن ما ورد في رسالة الحمداني الموجهة إلى خصمه دوناكس لا يمكن اعتبارها بأي شكل من الأشكال تشهيراً عنصرياً أو معادياً للسامية . مشيرة هذه المدعية العامة إلى افتقار مرافعة محامية دوناكس إلى الأسس القانونية الضرورية ، وأضافت أن الحيثيات التي استندت إليها محامية دوناكس واهية ولا وجود لها . هذا وسوف تصدر المحكمة قرارها في الرابع عشر من الشهر السادس 2001 .

 

عدنان حسين : أنا جداً متفائل من أنك ستكسب هذه القضية ، لأنها قضية عادلة . هل عندك ما تريد قوله ؟

 

صلاح الحمداني : أريد أن أشكر كل من أهتم بهذا الأمر ، وأولهم القائمة الطويلة الأصدقاء الطيبين من اليهود العراقيين المقيمين في لندن ضحايا صدام ، وضحايا سياسة إسرائيل العنصرية الذين بعثوا برسالة تضامن معي ، وبالذات الأخت أم حقي الرائعة ، وأعدهم جميعاً بمصداقية ما ذكرت . وأشكر أيضاً الأصدقاء الفرنسيين والعراقيين من عمال وموظفين وأدباء وفلاسفة وكتاب وفنانين ورسامين وشعراء وأساتذة على تضامنهم لنصرة الحق بهذه   القضية . وأخيراً أريد أن أقول لكم جميعاً أن قدسية التضامن مع الحق لا يمكن أن تثمن ، وهذا هو ما يدعونا لأن نكون بشراً وآدميين في ما بيننا .

 

عدنان حسين : ما هي من وجهة نظرك الشرارة التي أوقدت فتيل النزاع الفكري والثقافي بينك وبين ديدية دوناكس ؟

ولماذا شنّ هجوماً مزدوج عليك وعلى دار نشر هارمتان في آن معاً ؟

 

صلاح الحمداني : ترجع أصول هذه القضية إلى الثامن عشر من سبتمبر / أيلول سنة 2000 عندما نشر[دوناكس ـ Daeninckx] على موقع في شبكة الإنترنت مقالة أتهم فيها دار نشر [هارمتان] بأنها تأوي بين أحضانها أفكاراً معادية لليهودية والسامية ، وأنها أخذت تدافع عن طروحات اليمين الفرنسي العنصري المتطرف لأنها أصدرت في الشهر السادس من عام 2000 مجلة تحمل عنوان [قرن الواحد والعشرين ، انتحار فلكي أم انبعاث ؟] وكانت مواد هذه المجلة تحتوي على نصوص فكرية وفلسفية ، ومن ضمنها نص للمفكر روجيه غارودي . ولم يكتفي ، "دوناكس" الصهيوني باتهام هذه الدار بعدائها لليهودية والسامية لأنها نشرت نصاً لغارودي ، بل ذهب أبعد من ذلك بكثير ، إذ نصب نفسه قاضياً ومدافعاً ليس فقط عن اليهودية والسامية ، بل أيضاً عن إسرائيل والصهيونية ، موزعاً التهم على الأساتذة والجامعيين والمفكرين الفرنسيين ممن لهم علاقة مع هذه الدار ، وطلب من مسئولي 150 سلسلة أدبية وفكرية سياسية يعملون في هذه الدار ، ومن جميع من نشر فيها بمحاربة المشرفة على سلسلة [شعراء القارات الخمسة] السيدة جنفيف غلانسي ، وهي شاعرة وفيلسوفة فرنسية عرفت بتعاطفها مع القضية الفلسطينية ، على أساس أنها كانت المسؤولة الأولى التي قرأت نص غارودي ووافقت على نشره . وفي مقاله يحرض ويطلب أيضاً التشهير بهذه الدار كونها خرجت من هدفها الشرق أوسطي والعالم الثالث بالنشر . ولكي يحرق الأخضر مع اليابس كما يقال ، ولكون السيدة غلانسي هي المشرفة على ما ينشر من شعر في هذه الدار، جاء في مقاله أيضاً ، وهو سبب نزاعي الأساسي معه : "منذ سنين تكونت في دار نشر هارمتان ـ Harmattan’L ومن خلال سلسلة [شعراء القارات الخمس] مجوعة من يتامى العدالة المعادية للاستعمار ، من أولئك الذين لا يتغذون اليوم إلا من شعورهم المعادي للدولة الإسرائيلية ، شعوراً تحول وبصورة سريعة إلى عداء ضد السامية . مجموعة من عاشقي صدام حسين و خميني ، ملتقى من اليسار المتطرف خرج عن طوره ليصبح مرجعاً تعديلياً محترفاً Révisionnistes ، من الذين يحنون إلى حافظ الأسد ، ومن العشاق القريبين إلى روجيه غارودي ، والعقيد القذافي"

عند قراءتنا لهذا النص نلاحظ كيف تطبخ الأكلات الصهيونية القذرة وكيف تخلط الأوراق والأسماء وكيف تشهر الصهيونية بالناس وبلا حياء . فكيف يرضى الضمير الإنساني أن أكون معارضاً وعاشقاً لصدام ؟ وكيف يرضى العقل أن أكون محباً للدكتاتور وأنا ضحيته منذ ثلاثين عاماً . رسالتي جاءت لترد على ما يلي : أولاً : لإيقاف هذا السيل من النفاق والكذب الصهيوني . ثانياً : الدفاع عن السيدة الشاعرة والفيلسوفة غلانسي ، كونها سيدة متعاطفة مع الشعب الفلسطيني ومع قضيته العادلة . ثالثاً : دفاعاً عن كرامتي ، كوني معارضاً للنظام الدكتاتوري العراقي ، وليس مغرماً به كما أراد هذا الصهيوني تلفيقه . رابعاً : التأكيد على كون دوناكس كغيره من الصهاينة لا يرضى أن يتطرق أحد ، وينتقد علناً إسرائيل وسياستها العنصرية إزاء الشعوب العربية بشكل عام ، والشعب الفلسطيني بشكل خاص ، وبالذات لقرصنتها لأراضي هذا الشعب الأعزل . خامساً : عدم السماح بخلط الأمور كما عودتنا عليه تحليلات الصهاينة وطرقهم غير الأخلاقية وغير الديمقراطية . فالصهيونية تقول : [تحدث وأنتقد علناً وكما تشاء وأشتم واكفر وأنكر أي دين ، وأي موضع تشاء ، ولكن إياك أن تتطرق إلى الدين اليهودي ودولة إسرائيل بالنقد ، حتى لو كان هذا النقد بناءً ، وإذا تجرأ أحد وتحدث عن حقوق الشعب الفلسطيني فهو حتماً عدو خطر لإسرائيل ، وأن حديثه عن حقوق الفلسطينيين حتى لو كان حديثاً مسالماً فهو ليس إلا غطاء لأفكاره المعادية لليهودية والسامية .

 

عدنان حسين : لماذا يسعى اللوبي الصهيوني إلى الإجهاز على دار نشر هارمتان وإخماد صوتها الثقافي نهائياً ؟ هل لأنها تنشر لشعراء وكتاب عرب تحديداً ، أمثال : محمد سعيد الصكَار وعدنان محسن وصلاح الحمداني ومنعم الفقير وجبار ياسين وغيرهم ؟ ترى ما موقفهم من شعراء القارات الخمس التي تنشر لهم الدار من دون مواقف مسبقة ؟

 

صلاح الحمداني : لا أتصور أن اللوبي الصهيوني ـ الإسرائيلي كان يسعى لإخماد صوت دار نشر هارمتان . أو أنه كان يحارب هذه الدار كونها تنشر لشعراء عرب أو عراقيين . أو لأن هذا الأمر بالذات لا يهمهم ، بل لأننا نحن الكتاب والشعراء والعرب في فرنسا ، وبكل بساطة ، لا نمثل ثقلاً فكرياً أو شعرياً على الساحة الباريسية ، وبالتالي فنحن لا نشكل ثقلاً سياسياً أو فكرياً مؤثراً على فرنسا ، ناهيك عما يجري من أحداث في الوطن العربي ، وبالذات في فلسطين . ولكن ما يزعج الصهيونية ويقلقها هو هذا الكم الهائل من الكتب والمنشورات التي تصدرها دار هارمتان سنوياً ، والتي تتطرق إلى مواضيع حساسة تدور أحداثها في الوطن العربي ، ومن ضمن هذه المواضيع هو النزاع القائم بين اليهود الإسرائيليين والعرب ، وكذلك مواضيع المياه والجغرافية والتاريخ القديم والفلسفات والأديان الشرقية القديمة والحديثة الخ ، وسوف يكون نضال هذه الدار في المستقبل صعب جداً للحفاظ على توازنها التجاري والفكري . وسوف تحارب بكل قذارة من قبل الصهاينة ، ليس في فرنسا فحسب ، وإنما في أوربا أيضاً لأن هذه الدار تجرأت ونشرت نصاً لغارودي ، ونشرت مجموعات شعرية عديدة إلى شاعر عراقي مثلي شتم الصهيونية ، وندد بسياسة إسرائيل الشوفينية العنصرية علناً . وأن هذه الصهيونية في فرنسا سوف لا تفسح مجالاً فكرياً لكل من وقع على بيان يدين سياسة إسرائيل ، وندد وأستخف بعقلية الكاتب الصهيوني دوناكس ، وسوف تترصد لتؤذي كل من له ضلع في هذا الموضوع ، وسوف تنقض عليه عاجلاً أم أجلاً .

 

عدنان حسين : هل تعتقد أن طروحاتك الفكرية والثقافية والسياسية تقترب إلى حد ما من طروحات المفكر الفرنسي غارودي ، وبالتحديد إزاء المذابح اليهودية المبالغ بها كثيراً ؟ ولماذا وصفك دوناكس بـ [REVISIONNISTE] علماً بأن هذا التوصيف يطلق على الداعين إلى إعادة كتابة التاريخ اليهودي ؟ ترى هل أتهمك بـ [NEGATIONNISTES] أي الذين ينكرون وجود غرف الغاز في المعسكرات النازية ؟ ما عدد التهم التي وجهت إليك في المحكمة ؟

 

صلاح الحمداني : هذا السؤال هو الأكثر أهمية في هذه القضية الحساسة ولكل ما جرى . فالكاتب الصهيوني دوناكس وأصدقاؤه يعتبرون دفاعي عن السيدة غلانسي ، وعن دار نشر هارمتان ، وعن سلسلة شعراء القارات الخمس ، ودفاعي الأكثر أهمية فيما يخص الشعراء العرب ، وبالذات العراقيين منهم ، وتهجمي على الصهيونية وعلى دولة إسرائيل وسياستها العنصرية إزاء الشعب الفلسطيني هو بمثابة هجوم شاعر عربي حتى لو لم تكن له علاقة ما بشخص المفكر غارودي ، فهو بالضرورة له علاقة بأفكار وطروحات غارودي . وهذا ما لا أتفق معه . فأنا لا أعرف المفكر غارودي شخصياً ، وليس لي علاقة ما بأفكاره أو بآرائه ، وبالذات فيما يتعلق بـالـREVISIONNISME أو الـ NEGATIONNISME . أما عدد التهم التي وجهت ليّ فهي سبع تهم .

 

عدنان حسين : يعمل دوناكس مع عدد من المنظمات المناهضة للعنصرية ، وكان ما زال يندد بسياسة الاستعمار    الفرنسي ، حتى أنه نشر رواية بوليسية يفضح من خلالها التعذيب أيام حرب الجزائر ولكنه بنفس الوقت لا يدين سياسة القمع والقرصنة الإسرائيلية إزاء الشعب الفلسطيني ؟ كيف تفسر ذلك ؟

 

صلاح الحمداني : أن هذا الكاتب هو أبسط مثال لما يقدمه لنا اللوبي الصهيوني ـ الإسرائيلي ، وهو ليس الوحيد في فرنسا ، فكثير من أمثاله الصهاينة ينشطون ويعملون في منظمات ضد العنصرية ، أو في أحزاب يسارية عريقة ، ليس حباً بالأجانب أو للدفاع عن حقوق الإنسان والطبقة العاملة والفقراء ، بل من أجل أن يكونوا في المراكز الحساسة لهذه المنظمات ليصبحوا حاجز صعب تجاوزه أمام الاتهامات المزرية والحقائق الكثيرة التي وجهت ، والتي توجه ضد الدولة الإسرائيلية وسياستها العنصرية إزاء قضية الشعب الفلسطيني .

_____________________________________

 تنويــه:

نشرهذا المقال قبل سقوط الطاغية صدام

وقبل أن يمسخ حزب البعث العربي الفاشي

ويتحول إلى "داعش"

من أزقة بغداد إلى خشبة المسرح الوطني الفرنسي

ومن المدارس الليلية إلى نهارات باريس الشعرية

فنان عراقي يحاكم بمعادات السامية .

الفنان طه رشيد

يحاور الشاعر صلاح الحمداني

على صفحات الزمان، عام 2001

صلاح الحمداني

طه رشيد

طه : وما هي أخر أخبارك مع الصهاينة في باريس ، وماذا عن تهمة العداء لليهودية والسامية والصهيونية وإسرائيل التي وجهت إليك من قبل كاتب الروايات البوليسية الفرنسي ديدية دوناكس Daeninckx Didier ، وكيف حدث كل هذا ، وماذا عن الحكم وحيثيات هذه القضية ؟

 

صلاح : قبل كل شيء لقد أسقطت محكمة العدل الباريسية ظهيرة يوم الخميس المصادف 14/6/2001 تهمة العداء لليهودية والسامية التي كان قد رفعها كاتب الروايات البوليسية الفرنسي الصهيوني "ديدية دوناكس ـ Didier Daeninckx" ضدي وقد برئتني محكمة العدل الباريسية من تهمة معاداة إسرائيل والصهيونية والسامية واليهودية في آن معاً. وحين صدور هذا القرار طلبت محامية دوناكس استئناف الدعوة مرة أخرى وطالبت المحكمة بإعادة النظر بهذه القضية وبتعويض موكلها الصهيوني 150 آلف فرنك فرنسي . ومرة أخرى جاء قرار المحكمة الفرنسية بالنفي ، معلنةً هذه المرة الأسباب التي دفعتها تبرئتي من هذه التهم . وذكرت المحكمة ، أن شتم إسرائيل لا يعني بالضرورة العداء لليهودية والسامية الخ .

 

وتعود جذور هذه القضية إلى يوم 23 أيلول [سبتمبر] 2000 عندما نشر دوناكس مقال على موقعSITE AMNISTIA  في شبكة الإنترنت أتهم فيها دار النشر الفرنسية "لارمتان Harmattan’L " بأنها تأوي بين أحضانها أفكاراً معادية لليهودية والسامية ، وأنها أخذت تدافع عن طروحات وأفكار اليمين المتطرف العنصري الفرنسي لأنها أصدرت في الشهر السادس من نفس عام 2000 مطبوعاً يحمل عنوان [قرن الواحد والعشرين ، انتحار فلكي أم انبعاث ؟] وكانت مواد هذا المطبوع تحتوي على نصوص فكرية وفلسفية ؛ ومن ضمنها نص للمفكر روجيه غارودي . ولم يكتفي "دوناكس" الصهيوني باتهام هذه الدار بعدائها لليهودية والسامية ؛ لأنها نشرت نصاً لغارودي ؛ بل ذهب أبعد من ذلك بكثير ، إذ نصب نفسه قاضياً ومدافعاً ليس فقط عن اليهودية والسامية بل أيضاً عن إسرائيل والصهيونية ، موزعاً التهم على الأساتذة والجامعيين والمفكرين الفرنسيين ممن لهم علاقة مع هذه الدار . وطلب من مسئولي 150 سلسلة أدبية وفكرية سياسية يعملون في هذه الدار ؛ ومن جميع من نشر فيها بمحاربة المشرفة على سلسلة [شعراء القارات الخمس] السيدة جنفيف غلانسي Geneviève Clancy ، وهي شاعرة وفيلسوفة فرنسية عرفت بتعاطفها مع القضية الفلسطينية ، على أساس أنها كانت المسؤولة الأولى التي قرأت نص غارودي ووافقت على نشره . وفي مقاله يحرض ويطلب أيضاً التشهير بهذه الدار كونها خرجت من هدفها الشرق الأوسطي والعالم الثالث بالنشر . ولكي يحرق الأخضر مع اليابس كما يقال ولكون السيدة غلانسي هي المشرفة على ما ينشر من شعر في هذه الدار، جاء في مقاله أيضاً : "منذ سنين تكونت في دار نشر لاارمتان ـ Harmattan’L ومن خلال سلسلة [شعراء القارات الخمس] مجوعة من يتامى العدالة المعادية للاستعمار ، من أولئك الذين لا يتغذون اليوم إلا من شعورهم المعادي للدولة   الإسرائيلية ، شعوراً تحول وبصورة سريعة إلى عداء ضد السامية . مجموعة من عاشقي صدام حسين و خميني ، ملتقى من اليسار المتطرف خرج عن طوره ليصبح "مرجعاً تعديلياً محترفاً Révisionnistes" ، من الذين يحنون إلى حافظ الأسد ، ومن العشاق القريبين إلى روجيه غارودي ، والعقيد القذافي"

 

وكوني قد سبق ونشرت عدة مؤلفات شعرية في سلسلة "شعراء القارات الخمس" فكان من الطبيعي جداً أن أرد على مقالة [دوناكس] وفعلاً أرسلت إليه عبر صفحات الإنترنت برسالة طويلة ، أتهمه فيها بالتحريض ضد الشعراء العرب والأجانب ، الذين ينشرون كتاباتهم في دار نشر لارمتان ، ويعلنون فيها مناصرتهم للقضية الفلسطينية . وأخبرته أن من الحماقة الخلط بين الضحية والجلاد ، وأن كثير من هؤلاء الشعراء العرب الذين وصفهم بعشاق صدام هم ضحايا سياسات صدام قبل أن يكونوا عشاقاً لخميني أو لغيره ، وأن سياسة إسرائيل الطويلة الأمد [فرق تسد] لربما نجحت مع بعض القادة العرب ، ولكنها سوف لن تفلح مع الشعراء لأنهم ليسوا دولاً .

 وجاء في رسالتي أيضاً ، إذا كانت إسرائيل ، هذه الدولة التي تذبح الشعب الفلسطيني وتصادر أرضه منذ خمسين عاماً ، تشعر الآن بخوف من كتاباتي الشعرية فأن هذا الأمر رائع ويدعوني للفخر بنفسي . واتهمت الكاتب دوناكس بأنه رجل وشاية ونميمة وزيف ، وبلا مصداقية أخلاقية ، وكاتب رديء ، وإسرائيلي متعصب ، يكره رؤية أسماء عربية تتصدر أغلفة الكتب الفرنسية . وأن الفكر اليهودي في فرنسا ليس تافهاً بحيث يكون بحاجة إلى خدمات روائي بوليسي نصب نفسه قاض لمحاكمة من ينتقد سياسة دولة إسرائيل العنصرية .

 

وقامت الدعوى على اتهامي في ضوء تأويل ما ورد في رسالتي ، بأنها تتضمن الطعن والتشهير العنصري ومعاداة السامية . وحاولت الشكوى أن تقيم ترابطاً بين ما ورد في رسالتي وبين كتابات روجيه  غارودي ، الذي أعتبر القضاء الفرنسي كتاباته مسيئة بحق اليهود وذات طابع معاد للسامية ، لأنها تضع الشكوك على ما هو معروف بمحرقة اليهود .

وقد طالبت محامية دوناكس، بتغريمي مبلغاً قدره 150 آلف فرنك فرنسي نتيجة الضرر المعنوي الذي لحق بموكلها الصهيوني.

وبعد أن استمعت المحكمة إلى مرافعات جميع الأطراف ، قامت ممثلة الإدعاء العام برد وتفنيد الاتهامات التي وردت على لسان محامية دوناكس . وأشارت ممثلة الإدعاء العام إلى أن محامية دوناكس في الوقت الذي تتهم فيه بالتشهير العنصري والعداء للسامية ، فأنها لا تورد في مرافعتها سوى أمثلة لا صلة لها بالتهمة الرئيسية  الموجهة ضدي ، وبالتالي فأنها تفتقر إلى المقومات القانونية ، وهي تستند إلى حيثيات واهية ، وتعتبر الدعوى غير جديرة بأن تعرض أمام المحكمة .

أما محامي السيد شالانسة Chalanset فقد أشار في مرافعته إلى أن ديدية دوناكس بات يمتلكه نوع من الهوس منذ عام 1995 ، يتجسد في مسعى محموم لفرض نوع من الإرهاب الفكري ، عبر ملاحقة رفاق الأمس ــ إذ أنه كان شيوعياً ولا يزال يعتبر نفسه منتمياً إلى اليسار ـــ بتهم العداء للسامية والإساءة لليهود ، عبر قراءات وتأويلات تعسفية ومتطرفة للنصوص ، تساوي بين العداء للصهيونية والعداء لليهود .

 

أن الصهيونية في فرنسا تحارب كل من ينتقد سياسة إسرائيل اللاإنسانية ، وتتهم كل من يعارض هذه السياسة بأنه عدو لليهودية والسامية ... الخ . علماً أن الصهيونية ومن خلال أقلام اليهود المتطرفين وعلى لسان مطربيهم وشعراءهم أخذوا يشنون منذ عام 1995 حملات [إرهاب فكري صهيوني مبطن] ضد المفكرين الفرنسيين اليساريين المناهضين لأجرام الدولة الإسرائيلي ولسياستها القمعية الحاقدة ضد الشعب الفلسطيني والعرب [فهذا الـدوناكس مثلاً ـ يعمل مع المنظمات المناهضة للعنصرية ويندد بسياسة الاستعمار الفرنسي أيام حرب الجزائر ولكنه لا يرضى أبداً إدانة سياسة القمع والاغتصاب والقرصنة الإسرائيلية لأراضي الشعب الفلسطيني [وهو ليس الوحيد في فرنسا فكثير من المفكرين اليهود الصهاينة ينشطون ويعملون في منظمات ضد العنصرية أو في أحزاب يسارية عريقة ، ليس حباً بالأجانب أو للدفاع عن حقوق الإنسان والطبقة العاملة والفقراء ، بل من أجل أن يكونوا في المراكز الحساسة لهذه المنظمات ليصبحوا حاجزاً من الصعب تجاوزه أمام الاتهامات المزرية والحقائق الكثيرة التي وجهت والتي توجه ضد الدولة الإسرائيلية وسياستها العنصرية إزاء قضية الشعب الفلسطيني]

 

 

 

 

 

بوطن داهمه الظلام حتى أذنيه . بمدارسه الليلية ، حيث العرفاء والجنود والعمال والشقاة ، تعلم صلاح الحمداني حروف الأبجدية الأولى ، في أزقة متسخة ملأى بجرذان وبقطط تتصارع مع بقايا الفضلات ، ومع أولاد لم يعرفوا من الطفولة سوى العراك الدامي والضنك والبحث عن لقمة العيش اليومي ، تعلم صلاح أولى خطوات التمثيل والعناد والرفض . وحين كبر عوده ، سجن بسبب عناد سياسي هذه المرة وأختار بعد ذلك المنفى ، ليكتب ويطبع ويمثل . وقد كان فعلاً محقاً الفنان محمد سعيد الصكَار حين قدم لأحد كتب صلاح الحمداني قائلا : [... ما رأيت صلاح الحمداني إلا وتمنيت واحدة من أمنياتي المستحيلة ؛ وهي أن أكون ثرياً إلى الحد الذي يسمح لي بإنشاء مسرح ضخم ومدرسة تمثيل ودار نشر وورشة أعمال إنشائية ومدرسة للموسيقى وأخرى للسينما ، وأعهد بكل ذلك إلى صلاح الحمداني ؛ لا ليشرف على إدارتها ، وإنما لينتج هو نفسه في كل  فروعها ؛ ممثلاً وناشراً وشاعراً وعاملاً جوّاب آفاق ، ومقلدَ أصواتٍ ولهجات ، وذا صوت رخيم بعيد القرار . ولو كان بإمكاني إنشاء معهد لتعليم الصداقة والصراحة لجعلته أستاذاً فيه ...]

 

طه : بعد هذا التعريف كيف ترانا نقدمك لقرائنا .... شاعراً أم فناناً مسرحياً... أم كليهما ؟

 

صلاح : شاعراً إلى كل من قرأ شعري ومسرحياً إلى كل من شاهد العروض المسرحية التي أخرجتها أو ساهمت فيها   كممثل . وعلى أية حال ، أن هذه الألقاب تعود أولاً وآخيراً إلى القارئ الجيد والمشاهد النبيه ، والناقد الحكيم . وكون الشعر والمسرح يمتلكان ازدواجية الأشكال الفنية الإبداعية ، تاريخياً إن صح القول ... فأنا شاعراً ورجل مسرح .

 

طه : نعرف نشاطك ومساهمتك في عدد من الأفلام السينمائية والتلفزيونية هنا في فرنسا ، ولكن على صعيد المسرح هل في الإمكان إعطائنا وبإيجاز أهم أعمالك المسرحية ؟

 

صلاح : [شخصية أنكيدو] في مسرحية  كلكَامش ، قدمت باللغة العربية الفصحى ، من إخراج المخرج الكبير الراحل الأرجنتيني الأصل – فكَتور  غارسيا - ، والتي عرضت ضمن المهرجان السنوي الكبير [مهرجان الخريف] عام 1979 على خشبة المسرح الوطني الفرنسي . [شخصية أحمد] في مسرحية [لاتور دو لادوفنس La tour de la défense]، باللغة الفرنسية للكاتب المعروف - كوبي - ومن إخراج – كلود كونفرتس -  وعرضت عام 1981 على مسرح [لافونتان La Fontaine] الباريسي . وكذلك [شخصية وليد الفلسطينية] في مسرحية كفر شما ، لفرقة الحكواتي الفلسطينية ، وقد قدمت هذه المسرحية بثلاث لغات – العربية ، الإنكليزية والإيطالية ؛ وكانت من إخراج - فرنسوا أبو سالم - وعرضت ضمن جولة أوربية عام 1988 دامت 6 أشهر . وعروض عديدة أخرى . هذا فيما يخص التمثيل أما فيما يتعلق بالإخراج المسرحي ، [الصمت ليس وردياً ... أنه أبيض] مسرحية باللغة الفرنسية أعددتها من نصوص الشاعر الإغريقي ينيس ريتسوس ، عرضت في فرنسا وفي سويسرا عام 1985 . ومسرحية [الرجل المستطيل] أعدت من نصوصي الشعرية وعرضت باللغة العربية والأسبانية والكتالانية وعرضت في أسبانيا وحازت على الجائزة الأولى في مهرجان تراكونا المسرحي لعام 1986 .

 

طه : وعلى مستوى الشعر ما هي أهم أنتاجاتك ؟

 

صلاح  : مجموعات شعرية عديدة باللغة العربية واللغة الفرنسية ، كانت أخرها مجموعة [على مدى الأوجاع] صدرت عام 2000 باللغة الفرنسية عن دار نشر لارمتان ، و [رأيت] عام 1997 باللغة العربية . وكنت لأعوام عديدة أشرف على ورشة فنية تحمل اسم [حقل الكلمات] ، والتي تحولت بعد ذلك إلى جمعية ثقافية تحمل نفس الاسم ، مهمتها تشجيع وترجمة الشعر ، وإصدار وتوزيع بوسترات تجمع ما بين القصيدة والرسم والخط والصورة . وقد نشرت للشاعر الفرنسي الراحل كَلفيك والفنان الخطاط حسن المسعودي وغيرهم . وقد أسست دار نشر تحت اسم السلالم البيضاء ( لو سكالية بلان Les Escaliers Blancs) وكذلك قمت بمحاولات عديدة بتأسيس ونشر مجلات شعرية وباللغتين العربية والفرنسية . أولها مجلة اسمها طباشير صدر منها ست أعداد و أربعة مجموعات شعرية . أما المجلة الثانية فحملت أسم المرفأ صدر منها عدد واحد وقد توقفتا لصعوبات مالية . 

 

طه : نلاحظ أن دار نشر [L'Harmattan] لارمتان الباريسية نشرت لك الكثير ... فما سر ذلك ؟

 

صلاح : حسب معرفتي المتواضعة بقضايا النشر في فرنسا وبالذات ما يخص الشعر ، فلا توجد دار نشر في فرنسا تهتم بنشر الشعر الحديث كما تفعل دار لارمتان ، ويعود هذا لكلفة الطبع الباهظة من ناحية وضيق تسويق الشعر من ناحية أخرى ، إذ لم يعد هناك وجود لجمهور فرنسي يقرأ ويتابع نتاج الشعر والشعراء كما في سابق الزمان ، ولهذا فلارمتان تعتبر من دور النشر الفرنسية المغامرة فعلاً بنشر الشعر اليوم . أما فيما يخص كتبي التي نشرتها لارمتان فهذا لربما يعود لخصوصية ما اكتبه ، ولعراقيتي التي يتمكن القارئ الفرنسي من استنشاق دخان حرائقها بين السطور .

 

طه : من هو الذي يترجم قصائدك إلى اللغة الفرنسية ، أنت ، أم هناك آخرون ساهموا بالترجمة ؟

 

صلاح : كل ما أرغب نشره باللغة الفرنسية أترجمه من نصوصي العربية بنفسي أولاً ، ومن ثم أختار الشخص الفرنسي الذي أرتاح له نفسياً وفكرياً وأعتبره وقتها قريباً لذاتي فأبدأ العمل معه لتحسين ما ترجمته من العربية . ومن الأشخاص الذين يساعدوني بترجمة نصوصي اليوم هي السيدة الفرنسية إيزابل بور ميير . علماً أنني لا أستغني عن مساعدة الفرنسيين القريبين مني لتصحيح ما أكتبه من شعر باللغة الفرنسية  . والحقيقة تقال يا أخ طه ، حتى نصوصي وقصائدي المكتوبة باللغة العربية تصلح من قبل الأصدقاء العراقيين القريبين مني

 

طه : وأنت بدورك ، هل مارست الترجمة ؟

 

صلاح : كما ذكرت أنا المترجم الأساسي لكل ما صدر لي من قصائد باللغة الفرنسية ما عدا مجموعة واحدة صدرت عام  1979 . وقد قمت بمحاولات لترجمة بعض القصائد للشاعر العراقي عبد القادر الجنابي وقد نشرت بمجلة شعرية ، ومجموعتين نشرت باللغة الفرنسية للشاعر العراقي منعم الفقير . وقصيدة طويلة [الوداع] للشاعر العراقي حجر مهدي قرأ منها بعض الأبيات في أمسية شعرية في باريس لكنها لم تنشر وكذلك باقة من قصائد الشاعر مسلم مهدي هي الأخرى قد قرأ بعض من همومها ولكن للأسف هي الأخرى لم تنشر .

 

طه : لم تشر لعملك الأخير [حياة بين قوسين] هل لكونه عمل نثري ؟

 

صلاح : لربما . ولكن كما تعلم يا طه ، أن كتابة النصوص الطويلة ليست مهمة سهلة ، وكتابة القصة القصيرة أكثر تعقيد . والشعر ، مهما كان عميقاً ، يبقى سهل المنال للمتمرس بكتابته ، ولكن النص النثري والقصة والرواية والمسرح فهذه فنون وعوالم مدهشة ومقلقة ومعقدة وشاسعة لما تحمله من تقنيات ومكونات لا زلت أصارع تياراتها العديدة ، وأنا في بدايات تكويني القصصي ولا أستطيع التحدث اليوم عن [حياة بين قوسين] رغم كونها باكورة أعمالي القصصية . إذ أنني جئت إلى هذا الفن كما حدث مع الشعر معتمداً فيها أساساً على مكوناتي وطاقاتي الذاتية وتجربتي ومعرفتي الحياتية ، إذ لا شهادة اختصاص أدبية ، وحتى اللغة العربية فقد تعلمتها بالكد والمطالعة وبجهود شخصية مضنية جداً وليس على رحلات المدارس والجامعات أو ما شابه ، ولهذا فأنا جئت أطرق أبواب هذا الفن من خلال كتابي [حياة بين قوسين] طالباً المعونة من أدواته ومعالمه لكي يمكنني من المسير بمنوال الكتابة ولكن بأقل الخسائر الحياتية الممكنة .

 

طه : هل تجربتك الفنية هي امتداد لتجربتك في الوطن ، أم أنها ابتدأت وتبلورت في الغربة ؟

 

صلاح : بين الشوارع والمحلات الشعبية ومقاهيها وبين العمل الشاق والمدارس المسائية وعمري لم يتجاوز آنذاك التسع  سنوات . ثم جاءت الخدمة العسكري ومعها المعتقلات والبيوت المائلة المكتظة مع بعضها كحبات السبحة ، ومن ثم الاعتقالات السياسية والسجون والمطاردة والاختفاء والسطوح . كان للشعر وقتها نكهة خاصة ، فهو مزيج بين الممكن واللاممكن ، بين المستحيل وأللا مستحيل . والإنسان مثلي حينذاك ، حين يولد لا على التعيين ، ويعي على وجوده وهو بلا ثقافة ولا يملك أي تحصيل دراسي مهنة ما ولا أملاك ولا أرث ما ؛ ويجد نفسه مرمياً في هذا الحيز الضيق من هذه المعادلة فهو حتماً لا يرى أمامه اختيارات كثيرة ؛ فأما يجهد نفسه في البحث عن لقمة العيش والسعادة الوهمية ، وفي اغلب ألا حيان يأخذ هذا البحث كل العمر عبثا ؛ وأما الانكفاء على الذات ؛ وأما الرفض للأسس الاجتماعية التقليدية والموروثة واختيار فعل السياسة لتغير المجتمع . وفي كلا الحالات تكون الحاجة للاحتجاج والتغيير في وطن مليء بالتناقضات الاجتماعية المستفحلة والبحث عن حياة أفضل مشحونة بمغامرة الوجود والمعاني الإنسانية ومعبأة بالمواقف والتمرد وقد تؤدي كما حصل فعلا إلى السجون والمنافي القسرية . في الواقع أن بداياتي الفنية رأت النور داخل الوطن ، ولكنها كانت عرجاء ومعقورة ومرتبكة ، لأنها جمعت شمل كل هذه الحالات ‍‍. وجاء المنفى ، ولا أقول أني ذهبت إليه ، ودخلت الجامعة في فرنسا ، ودرست المسرح والسينما واللغة وبعض الشيء من الفلسفة ، وحصلت على شهادات في بعض هذه الميادين . ولهذا فأنا أستطيع أن أقول اليوم ، أن حضوري الفني شعرياً ومسرحياً ابتدأ في الغربة ، ولكن خصوصية وتكوين هذا الحضور وأبعاده الفكرية الفعلية والوجدانية هو الوطن بقيضه وقضيضه وأسواقه وسجونه ، وليس هناك سوى الوطن . فهو خزيني الذي أنهل منه رغم فراق زاد على أكثر من ربع قرن .

 

طه : لماذا الكتابة والنشر باللغة الفرنسية ، وكيف سيصل صوتك الشعري إلى القارئ العراقي والعربي ؟

 

صلاح : أنت يا زميل طه .... تعرف أن هناك كثيراً من الشعراء والكتاب العرب قد تركوا آثراً عميقاً ومتميزاً في ثقافات العالم . ليس كون هؤلاء قد نشروا نصوصاً بلغات أجنبية . بل كونهم من أصل عربي كتبوا نصوصاً تحاور عقلية البلد الذي يعيشون وسط مجتمعه ، وقد أصبح لهذه الكتابات اليوم صدىً كبيراً كونها حملت في ثناياها رؤية إبداعية إنسانية ، ولكنها مكتوبة من قبل شاعر أو أديب عربي . أنا مثلا نشرت شعراً ترجم أصلاً من العربية ولكن بتصرف شخصي بحت وليس أكاديمي ، وأصبحت رؤيتي كعراقي الأصل هي كيان هذه النصوص ، لأنها متمثلة فيّ ”أنا“ العراقي الموجود الآن في  فرنسا ، مشبعاً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني . ونصوصي بالفرنسية كانت أو بالعربية ، فهي لا تعكس غير حالة الرفض للدمار والحداد الذي أصاب الإنسان بشكل عام والإنسان العراقي بشكل خاص ، وتعبير عن حالات احتجاج مبدع منفي : احتجاج على المنفى والفراق القسري عن الأهل ، احتجاج على القمع الهمجي في وطن مكبل بالدكتاتورية والحروب والقبور والجثث . ... أريد إذا سمحت أن أسأل بدوري يا أخ   طه ، لماذا الكتابة والنشر باللغة العربية ، وأنا أعيش في فرنسا ؟ ومن هو القارئ العربي الذي يجهد نفسه بالبحث عن كتاب شعري لشاعر لم يقرأ عنه في الأعلام العربي المكتوب والمسموع ؟ وأين هي الصحافة ودور النشر العربية التي أعطت اهتماماً خاصاً للأدب العراقي بعد كل ما حلّ به من خراب بسبب الدكتاتورية والحروب والحصار والمجاعة ؟ لقد نشرت عدت كتب شعرية باللغة العربية وعلى حسابي الخاص ، ولكني لم أتمكن من تصريفها على الرغم من وجودها في بعض المكتبات العربية في باريس ، مما اضطرني ذلك توزيعها مجاناً على عدد من الأصدقاء . بينما حدث العكس تماماً لكتبي المكتوبة باللغة الفرنسية أو المترجمة إليها ... بكل تواضع ، كتبي بالفرنسية تباع وتقيم ويكتب عنها في الصحافة الفرنسية المعروفة ، ومنها قد نفذ تماماً من الأسواق وسيعاد طبعها . لقد دفنت والى الأبد فكرة [أنا عربي ، إذن يجب عليّ أن أكتب وأنشر باللغة العربية] لأن الفعل الوحيد الذي سيبقى ويخلد ، هو تجربة المرء ورؤيته الإنسانية لما يحيط به ، وليس انتمائه القومي أو العرقي بتاتاً . إذ طالما أن تكون هذه الرؤية الإبداعية إنسانية النكهة ، فهي سوف تساهم بشكل أو بأخر بدفع حركة هذه الحافلة الهائلة للبشرية التي لازالت تروي شعوب المعمورة ببهجتها الإنسانية المشرقة التي ما زلنا كبشر نغرف باستمرار من نهرها المعرفي العظيم .

 

طه : أحييت فرنسا عبر مؤسساتها الثقافية ” أعياد ربيع الشعراء لعام 2000 وعام 2001 “وكان المعهد العالم العربي أحد المؤسسات الثقافية التي ساهمت بهذه الأعياد بدعوتها مجموعة من الشعراء العرب والأجانب وأقامت أماسي وندوات لأيام معدودات . لم تكن أنتَ بينهم ولم تصلك حسبما أعلم دعوة حضور ؟ بينما المنظمة العالمية [اليونسكو] خصصت لكَ مقعداً بالمناسبتين وبين شعراء من مختلف القارات . وكانت من أجمل أماسي اليونسكو الشعرية . كيف تفسر هذا التناقض بين مؤسسة عربية تتجاهلك ؟ وأخرى لسنا لنا فيها لا ناقة ولا جمل تدعوك بهذه الخصوصية ؟

 

صلاح : عندنا مثل عراقي جداً نبيه ، حيث نقول [من بره [من الخارج]يتوج وج ومن جوه محشه خركَ] ما أقصده أن مظهر المعهد الخارجي يوحي بالثقافة ، ولكن ما يدور وراء كواليسه فهو شيء أخر تماماً . أن معهد العالم العربي في باريس مؤسسة فرنسية تقوم بخدمات لدول وأنظمة عربية غير ديمقراطية . وكل من يعمل في هذه المؤسسة يدافع بالضرورة عن المصالح الفرنسية أولاً والأفرونكوفونية ثانياً ، وثالثاً يعمل في التنشيط والترويج للثقافة العربية كبضاعة استهلاكية وليس ثقافة صراع وجدل حضاري وفكري وشهادات عصرية كونية بين هذه الشعوب العربية من جانب والشعب الفرنسي والمهاجرين العرب من جانب  أخر . فكيف يتصور أي عاقل أن يقوم هذا المعهد بدعوة شاعر ورجل مسرح مثلي يصرح علناً ويضع صورته على ظهور كتبه ويكتب بمحاذاتها بأنه مبدع عراقي مناهض للدكتاتور صدام حسين ونظامه العفن . وأتصورك تتذكر جيداً ما حدث مع عميد هذا المعهد الذي كان متشنجاً جداً حين استقبلنا في مكتبه مع وفد من المعارضة العراقية احتجاجاً منا على استقبال هذا المعهد العربي رسمياً للفاشي طارق عزيز وتزين صدر هذا المجرم بوسام الثقافة من يد نفس هذا العميد الحالي . بصراحة ، لا يهمني حقاً وبدون تواضع ما يحدث في هذا المستودع الثقافي ولا يهمني بناءه الفضفاض الذي يشرف بأعمدته الحديدية على نهر السين . أن مؤسسة معهد العالم العربي في باريس لا تختلف نوعاً عن المؤسسات التقليدية الموجودة في العالم العربي ، تلك المؤسسات التي تروج وتدافع عن ثقافة السلطة والدولة في آن واحد . أما فيما يخص دعوة اليونسكو ، فهذا شيء لم يكن أبداً في الحسبان ، ولم أتوقعه ، لربما فكروا بأنني أحد الديناصورات المعرضة للانقراض [ضحك] لأن اليونسكو تهتم بكل ما هو خرب أو قديم فتقوم بترميمه وتركه معلق هكذا في الفضاء الطلق لكي يزوره السائح الأجنبي لأهميته التاريخية . بصراحة أن الدعوة وجهة ليّ من قبل أدباء وشعراء وفلاسفة وأساتذة جامعيين فرنسيين معروفين ، واليونسكو تقبل ذلك لأنه لم يكن المنظم الرئيسي لهذه الأمسية . وإنما جرى تنسيقها مع دار نشر لارمتان وراديو فرنس كولتير [راديو فرنسا الثقافي] ومسرح جيرار فليب وبعض الشخصيات الفكرية المرموقة . علماً أنها لم تكن الأمسية المهمة الوحيدة في مناسبة ” ربيع الشعراء“ فأنا ساهمت قبل ذلك في أمسية كبيرة جداً ومع أكثر من ثلاثين شاعراً وممثلاً وقرأنا جميع ما كتبه من نصوص شعرية ومسرحية الشاعر الملعون ماياكوفسكي . أما الساهمة الثالثة بهذه المناسبة فكانت ضد الدكتاتور الشيلي [بينوشه] . والمفارقة كانت هذه التظاهرة الشعرية ضد بينوشه على ضفاف نهر السين بالقرب من معهد العالم العربي ، مما أعطاها سمة أخلاقية وإبداعية مؤثرة . وقد ساهم في هذه الأمسية شعراء عديدين من ضمنهم الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي ، وشعراء فرنسيين معروفين ... بكل ما نشط من أمسيات ودعوات بمناسبة شعراء الربيع لعام 2000 و عام 2001، لم يكن هناك خصوصية للشعراء العرب الكبار أو الصغار حسب مفاهيم المؤسسات الثقافة العربية ، وإنما كانت على حساب المواقف الإنساني للشاعر وعلى خصوصية ما يكتبه من شعر إنساني يومض في أبعاده الفكرية والوجدانية والتضامنية العامة مع الإنسان ، خارج نطاق الانتماء العصبوي الذاتي المريض .

 

_____________________________________

 تنويــه:

نشرهذا المقال قبل سقوط الطاغية صدام

وقبل أن يمسخ حزب البعث العربي الفاشي

ويتحول إلى "داعش"

يا عمال العالم أتحدوا ـ وطن حر وشعب سعيد

 طريق الشعب/ الجريدة المركزية للحزب الشيوعي العراقي / حزيران 2001

 

الادعاء العام الفرنسي يرد على الاتهامات الموجهة للشاعر صلاح الحمداني باعتباره معاديا للسامية

 

جرت في العاشر من أيار المنصرم في قصر العدل بباريس محاكمة الشاعر والمسرحي العراقي صلاح الحمداني، بسبب الدعوة القضائية المرفوعة ضده من قبل الكاتب الفرنسي [ديديه دينانكس ـ Didier Daenincks]، والمتعلقة بتهمة القذف والتشهير العنصري ومعادة السامية.

وترجع أصول هذه القضية إلى الثامن عشر من أيلول سنة 2000، عندما نشر [دينانكس]، على موقع في شبكة الانترنت مقالة اتهم فيها دار النشر الفرنسية [لارماتان]، بأنها من خلال السلسلة الشعرية «شعراء القارات الخمس»، التي دأبت على إصدارها، تحولت إلى «مأوى لمجموعة من الكتاب والأدباء لا يتغنون إلا من شعور معاد لإسرائيل، الذي سرعان ما تحول بسرعة إلى عداء للسامية»، كما أدعى في رسالته بأن الدار باتت مرتعا للمعجبين بقادة عرب ومسلمين دكتاتوريين من أمثال صدام حسين.

 

وتشرف على إصدار سلسلة [شعراء القارات الخمس] "جنفيف غلانسي"، وهي شاعرة وفيلسوفه فرنسية عرفت بتعاطفها مع القضية الفلسطينية وبكتاباتها الشعرية، التي تتحدث فيها عن الانتفاضة الفلسطينية.

وكان صلاح الحمداني، الذي سبق أن نشر عدة مؤلفات شعرية في سلسلة «شعراء القارات الخمس»، قد رد على مقالة الكاتب الفرنسي "دينانكس" برسالة وجهها إليه، أتهمه فيها بالتحريض ضد الشعراء العرب والأجانب، الذين ينشرون كتاباتهم في دار نشر "لارمتان"، ويعلنون فيها مناصرتهم للقضية الفلسطينية.

وجاء في رسالة الحمداني، بأنه «إذا كانت إسرائيل، هذه الدولة التي تذبح الشعب الفلسطيني وتصادر أرضه منذ خمسين عاما، تشعر الآن بخوف من كتاباتي الشعرية فإن هذا الأمر رائع ويدعوني للفخر بنفسي».

واتهم الحمداني في رسالته الكاتب "دينانكس" بأنه «رجل وشاية ونميمة وزيف، وبلا مصداقية أخلاقية، وكاتب رديء، وإسرائيلي متعصب، يكره رؤية أسماء عربية تتصدر أغلفة الكتب الفرنسية».

 

وتقوم الدعوة الموجهة ضد الحمداني على اتهامه في ضوء تأويل ما ورد في رسالته، بأنها تتضمن الطعن والتشهير العنصري ومعاد للسامية. حاولت الشكوى أن تقيم ترابطا بين نص رسالة صلاح الحمداني وبين كتابات "روجيه غارودي"، الذي أعتبر القضاء الفرنسي كتاباته مسيئة بحق اليهود وذات طابع معاد للسامية، لأنها تحاول أن تضع موضع تساؤل وتراجع ما هو معروف عن المحرقة. وتأتي محاولة افتعال الربط بين ما كتبه الحمداني وكتابات "غارودي" من كون دار "لارمتان" كانت قد نشرت مطبوعا يتضمن مجموعة من المقالات حول موضوع الأديان، تضمن عددا من مقالات "غارودي".

وطالبت محامية الكاتب "دينانكس"، تغريم الحمداني مبلغا قدره [100000] فرنكا فرنسيا ما يعادل [أربعون ألف دينار] نتيجة الضرر المعنوي الذي لحق بموكلها.

 

وبعد أن استمعت المحكمة إلى مرافعات جميع الأطراف، قامت ممثلة الادعاء العام برد وتفنيد الاتهامات التي وردت على لسان محامية الكاتب الفرنسي "دينانكس". وأشارت ممثلة الادعاء العام إلى أن محامية "دينانكس" في الوقت الذي تتهم فيه صلاح الحمداني بالتشهير العنصري والعداء للسامية، فأنها لا تورد في متن مرافعتها سوى أمثلة لا صلة لها بالتهمة الرئيسية، وبالتالي فأنها تفتقر إلى المقومات القانونية، وتستند إلى حيثيات واهية، وتعتبر الدعوى غير جديرة بأن تعرض أمام المحكمة.

 

أما محامي الدفاع فقد أشار في مرافعته إلى أن "ديدية دينانكس" بات يمتلكه نوع من الهوس منذ عام 1995، يتجسد في مسعى محموم لفرض نوع من الإرهاب الفكري، عبر ملاحقة رفاق الأمس ـ إذ أنه كان شيوعيا ولا يزال يعتبر نفسه منتميا إلى اليسار ـ بتهم العداء للسامية والإساءة لليهود، عبر قراءات وتأويلات تعسفية ومتطرفة للنصوص، تساوي بين العداء للصهيونية والعداء لليهود.

 

وقد نفى مدير دار نشر "لارمتان" أن تكون الدار مأوى للمعاديين للسامية، مشيرا أن الدار سبق وأن نشرت كتابا عديدة تتحدث عن المذابح التي تعرض لها اليهود على يد النازية.

 

وكانت مجموعة من المثقفين العراقيين والفرنسيين والعاملين في جمعيات فرنسية مناهضة للعنصرية قد أصدرت بيانا يناصر الكاتب الحمداني، كما وجهت مجموعة من اليهود العراقيين المقيمين في لندن رسالة إلى المحكمة ترفض فيها أن تكون إدانة سياسية إسرائيل مدعاة للاتهام بالعنصرية ومعادة للسامية.

هذا وستصدر المحكمة نطقها بالحكم في الرابع عشر من الشهر الجاري.

 

bottom of page