top of page

وحيدة في الحقل

بقلم الأستاذ ناجح المعموري

غلاف 1.jpg
غلاف الأنطولوجيا الشعرية "حلم بلا أعمدة"، للشاعر صلاح الحمداني، الصادرة عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق،  2022 في بغداد
صورة بيس2.jpg
الباحث في الأسطورة والأديان القاص الروائي والناقد الأستاذ ناجح المعموري، يكتب عن الأنطولوجيا الشعرية
حلم بلا أعمدة"، للشاعر صلاح الحمداني"

وحيدة في الحقل

بقلم الأستاذ ناجح المعموري

 

هذا نص مثير، مكشوف عن الجسد الرمزي، وما يفضي اليه صورياً / مجازياً / ومادياً. وهذه تضيء عتمة متكتم عليها، هي الذات ذات العلاقة مع الأنثى، على الرغم من ان الغموض الشهوي ودلالاته يقود الى فضاء اكثر عمقاً وسعة، حتى يساعد على تعرفات الاسطورة ذات العلاقة القوية والطافحة بما يقوله الجسد الانثوي الصامت.

سردية هذا النص مكشوفة عبر المبتدأ اللذّي الواضح وبالطريقة التي اشتهاها المذكر وأكد عليها في النص الثاني. وطافحة الانثى المفضوحة، وكأنها ممتدة للثنائية التي اهتم بها الشاعر وهذا مكشوف للقراءة، لان التجربة الشعرية لصلاح الحمداني تهيكلت على الروح الاسطورية، او البدئية، تمتد شعريته الى الاصول ويغذيها بما توفره الشفاهية من اليومي المعروف. لذا تقترب نصوص صلاح الحمداني من المألوف والكلام الذي يذكرنا بكلام اول نطق به الالهة في العراق القديم، لذا قال المفكر غادمير بأن الكلام لغة الاله الاول. وانا وجدت بالكلام الاول هو ما يقترب من الرمزيات وهيمنة التعايش والمرونة، لذا دائماً ما يظهر النص الخاص بالحمداني ما يشبه الشفاهية والليونة. من هنا سحبني هذا النص بقوة عندما استعاد الام مرة ثانية وتعامل معها بوصفها الام الكبرى.

برزت في هذا النص اللغة وسيطاً تواصلياً، فالأفعال متكررة، يلوذ بها الشعر وغامر بالعلاقة مع الكلام وذاته، بعدها حصل التغير، فالتحول افضى الى وهم وسكت اللسان. لم يعد بالامكان ان يبث ايقاعات الروح التي فلحت وحصدت، لكن الوقائع بالعلاقة مع الارض انحرفت وازدوجت مع اللامعقول وصار وهماً.

لأن هذا النص المركز كثيراً له علاقة بالأرض، سأحاول فحص احد النصوص الجوهرية بتجربة صلاح الحمداني " ليس بعيداً عنها " حيث تمكن الشاعر من ازدواجية الجندر / المرأة والرمزية البدئية ذات طاقة استثنائية حيث لعبت المرأة / الالهة الام البكرية دوراً رائداً واسست سرديات لها ذات عمق بالحقل.

وحيدة في الحقل / وحيدة في الفراش / ترتب الفصول كما تشاء / وتضحك من بغور افكارها / العزلة صعبة ومن خصائص الحياة التي يفارق الزوج فيها زوجته. ووحدة المرأة ملمح حضنته نصوص صلاح الحمداني. ويكاد يكون المقطع الاخير اكثر ما كتبه الحمداني مشبعاً بالألم والتوتر الذي ينتجه الغياب وبالإمكان قراءة البكرية مع الارض، هي الام الرمزية والانثى المترملة التي ارتضت وحدتها وسط الحقل، بمعنى استمرار ديمومتها وعدم تعطلها بعد غياب. 

في عديد من نصوص الحمداني ما يشبه المغامرة والدخول بالمجازفة الاتية من تشكيلات متخيلة او وهمية، ففي نص " مناظرة " اسطورة غير معروفة او معيوشة وهذه ابتكارات الحمداني التي تقود اللغة نحو المغامرة، لأنه يدرك بشكل جيد البيت الذي تكمن فيه اللغة، وتصير نوعاً من السحر والكمائن المثيرة للدهشة، ولم يكن هذا جديد، بل هو يتكرر حديثاً، لان الحمداني هو الوحيد الذي يعرف كمائن مكوث اللغة  وتحولاتها الى كلام متوتر بالطاقة الممنوحة للشعر عبر الكلام.

حصدت كلماتي 

ذقتها

فتحول اليقين الى اوهام

وخرس اللسان 

اللغة خزانة الشاعر وراضية بوجودها وسط بيت منذ الازل، لكن الشاعر لاعب تبرز مهاراته المتنوعة ويختار منها الشعرية ذات الصوت المحمول بالإيقاع الراعش مع كلامه.

اضطر الشاعر للقيام بفعل المزارع، اللاعب مع الارض / الانثى / الام والحمداني يعرف بشكل جيد بأن التراب جسد روضته الطبيعة واختبرته مياه السماء والبلل المتساقط بطيئا وهادئا، تنفتح تحته الارض المستلقية. فرحة بالترطب وسعيدة بالممنوح لها من لذائذ وشهوات.

الحمداني عرف منذ بدئيات الام الكبرى لكنه يعيد الاختبار والامتحان.

ناجح المعموري

بغداد الشهر الثامن/ 2023

bottom of page