top of page
الانثى عطر الفردوس ورائحة الطين
بقلم الأستاذ ناجح المعموري
غلاف الأنطولوجيا الشعرية "حلم بلا أعمدة"، للشاعر صلاح الحمداني، الصادرة عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، 2022 في بغداد
صورة5.jpg
الباحث في الأسطورة والأديان القاص الروائي والناقد الأستاذ ناجح المعموري، يكتب عن الأنطولوجيا الشعرية "حلم بلا أعمدة"، للشاعر صلاح الحمداني

لِنقرأْ ما كتَبَهُ الأستاذُ المُبجّلُ ناجحُ المعموريُّ فيما يخص "حلم بلا أعمدة"، في صحيفةِ الدستورِ العراقيّة... النص حَمَلَ عنوانا

الانثى عطر الفردوس ورائحة الطين

تاريخ نشر المقالة يوم 10 سبتمبر / أيلول 2023

 

https://www.addustor.com/content.php?id=28706

ناجح المعموري

 

الاطلاع على ديوان صلاح الحمداني احد احلامي المحملة بالغصون والتقطت منها الكثير من الثمار التي نعرفها نحن القراء المولعين بالأسطورة اكثر من ولعي بالشعر. لكنني التقطت ما ابحث عنه وانا اصطاد الشعر وافرز ما اريد التنقيب فيه والحفر عنه حتى تتراكم الاساطير التي لا حضور لها في الشعر بشكل واضح ومكشوف، بل هي تتشكل عبر مفردات وملفوظات، تبدو غير مألوفة، بل هي من ابتكارات الحمداني، ويتسع المجاز فيها لحظة تكونات المقاطع المكسوة بالغرابة، وما تثيره من الدهشة والرمزيات التي لا تقوى القراءة على تأطيرها بالمعنى الواحد. لأن هكذا معنى يقتل الشعرية الفذة التي يتصل بها القارئ عبر ذكاء الحمداني وهوسه الولوج نحو فضاء جديد علينا ومعروف بالنسبة لنا، لكن الاستمرار بقراءة نصوص " حلم بلا أعمدة " تمنحنا كثيراً من الاحلام التي لا نتمكن من تفسيرها ولا يقوى المستمع على التقاط فرص الحكمة فيها، لكنني انا الذي عرفت الشاعر صلاح الحمداني في باريس وسط مطارها ولوقت طويل وامتد الحوار الثنائي حول مشترك ثقافي، تحمست له، لكني واجهت خيبة عندما تحدثت عن مشروع للتعريف بالإبداع العراقي.

" حلم بلا أعمدة " تجربة شعرية مهمة، احلم ان اجد قارئاً ذكياً لها ونتحاور معاً في قاعة الاتحاد عن مثل هذه التجربة. وسأذهب نحو غراباتي والادهاشات مع اندهاشات قريبة لي وبعيدة عن الكثير. لأني اعرف الغرابة بالذي يتكون لدي وانا اقرأ دهشات الشعرية وعقدها المجنونة والتي اعني بها الاسطورة التي اخترتها عشاً لكل ما اختارته الذاكرة واختزنته بكل ما امتلك من طاقة وتعاملت مع الاسطورة بطريقة مغايرة لا تتماثل مع ما ذهبت اليه الميثولوجيا وانشتراوسيات بل انا اقترحت غواياتي لها الخاصة وهذا ما سيتمظهر في نصوص " حلم بلا أعمدة " الذي منح غواياتي اندهاشات للتسلل لاساطير احلام الحمداني غذتني بهمس الاساطير المبتكرة والحرة تماماً وهي تطل على شرفات بدئية من نوع جديد، هي تومئ ولا تنطق بالمعنى الذي تشير اليه وتبتعد عن الذي عرفته الكتب الانثربولوجية والدراسات المعنية بالطقوس. إنها بدئيات بقولها الشعر وترتعش لتومئ لي لتوقظ خطان ذاكراتي وتقودني لملاحقة المكتوبات على الجدران الطينية.

بدئية الفرات وما فاضت عنه من ماء زلال وما كشف عنه الاله انكي من اسطورة الام الكبرى ننخرساك. لقد وضعت علاقة دالة على الاصل الاسطوري / البدئي الذي لم يقله الشاعر صلاح الحمداني، بل اومأ له، التمس به، منحه صفة الاسطورة اليوم لرولان بارت وأنا حزت ثروة الشعرية التي سأعرف بها وأنا متجاور معها للغاية، لأنها من عناصر مكونات تجربتي الايروتيكية الخاصة بالجسد. ولا غرابة أن يكون الفرات هو الحاضر، وهو المتوتر برمزية البدئية وممنوحات الام السومرية الاولى:

"حنيني يسير الان باتجاه الفرات / سيطرق بابك كالسرب الجائعة للمحبة / رأسي مسمر في حائط المنفى مثل نافذة تطل على الحلم / لا ظل في البئر / سوى هذا الصرير لباب النهار / ص100/".

تلبست الشعرية حنين الاله انكي في الاسطورة السومرية البدئية التي قادها سراب الخلق الاول وضغط جنون السراب ووهم البدئية التي ايقظها الفرات لحظة صحوته ليزاول الادخال ووقف منتصباً كالثور، واختار موسمه الشعري الشهوي حيث لاذت الحياة بالنزو وتدفق ماء القلب حتى امتلاً الفرات بما أشارت له الديانات الاولى.

ولابد من التذكير بأن البدئية الكامنة في الحداثة وما بعدها والتي اشار لها عالم الاجتماع الالماني دوبان، حيث حصل التحول بالوقائع المعروفة والموجودات المألوفة وتغيرت القيم والافكار والمعارف وقدمت ما هو جديد، وهذا ما جعل الباب تفقد هدوءها وتصدر صريراً، ليس في الليل وانما في النهار. وتضفي الباب عبر صوتها نحو فعل الام ننخرساك التي وقف الاله، البطل، كالثور، ومثل ما فعله صلاح الحمداني، عندما قال : " رأس مسمر في حائط المنفى / مثل نافذة تطل على الحلم // هنا تلوذ البدئية الميثية ويطلق الاسطورة الجديدة التي ختل فيها المجاز ومنحها لون.

الشفتين في المساء.

 

**********************************

 

تكملة المقالة تحت عنوان أخر هو: الرنين المرتعش، اسطورة الجسد

 

الذوبان في ديانات الشرق اشارات لانكشاف الجسد وهو سحري، مسكوت عنه، لم يعلن عنه غير الشعر وصوت الشعرية صراخ التنافذ فوق شرفة اسرار الطيور المساتية. انها موسيقى النداء وايقاع ارتياب الانثى في لحظتها الاولى التي بثت فيها ارتعاش حفي لا يدل عليه غير ارتجاف الرمشين وتيبس الشفتين:

"منذ سنين اتقاسم معها شفافية الافكار

واسترق السمع الى غيبوبتها

وفي ذروة النهار الذي يلهمنا

وجهها في المرآة

ظهرها في حضني

لا نكترث لوجودنا الخاطف

لا أدري إلى أين! ص112//"

 

الافكار، هي التي تعامل معها المفكر ليفيناس بوصفها عجائب الانثى السرية، غير المعلن عنها الا في اللحظة التي تتداخل فيها العناصر الذكرية والمؤنثة. وصلاح الحمداني أول شاعر ذهب نحو الفلسفة ليقدم لنا صورة / صورة عن مجازيات الجسد الانثوي.

واكثر غرائبيات الحمداني عندما جعل الافكار هي أحلام التشارك وطوفان البلل، العطل الخجل، حيث طاقة المجاز في النص السابق الذي تجاوز عجائبيات البدئية ولا معقوليات الاساطير، قال ما لم يقله احد من قبل. تصاعد ارتعاش الجسد، ونزل بلل التي حملت المرأة صورتها وايقظت ملحمة البدئية، وتعالت قداسات الانثى وهي تهتز مرتعشة وسط المعبد العشتاري، حيث فيضان الجسد برنين تداخل مع ايقاعات الغناء والموسيقى والطبل، كل الاناشيد والتراتيل انثوية، تفضي بالتشارك مع الرجل نحو اللذائذ، وفوران الحضور ومقاومة روائح النبات المتيبس وهو يفوح وسط امتلاء اللذائذ بحضورات الانتظارات الطويلة. التي قادتني بقوة ووجع للنص السابق الذي التقط مجموعة صور مثيرة، فيها لذيات، شهويات، لتعلن عن بهاء المنتج البللي " ظهرها في حضني / لا تكترث لوجودنا الخاطف / لا ادري الى اين !. خاتمة الملحمية هو الرنين المختصر للأسطورة البدئية التي دائماً ما كانت تستيقظ عند الينابيع والابار وتسجل النوافذ احلام اليقظة وربيع الجنون الذي يعرف الحلم باعتباره يقظات تهرع نحو افاق الجسد. وهو ــ الحلم لا يكف عن الغناء ــ بل يكثر من دخان المباخر والذوبان بالأحضان او النوم فيها.

حتى لحظة الصحو عند نثيث الغيمة المبكرة الملاحقة ببللها للنافذة التي ابتكرها الحمداني شرفة للسرائر والاحلام المسكوت عنها. والتي لا يعلن عنها غير البرق والرعد واللوذ بالدثار للتكتم عن سرديات الجسد.

ولأن الحمداني شاعر لا يدنو له احد يعتز بشعريات ويؤكد التباهي باستعادة الصورة البدئية مرة ثانية ليعلن بأنه هو الذي خلق ما لم يصل له أحد من قبل:

 

"اثر بعد اخر

يختلط ضوء الشمعة بالغبار

والتراتيل مع الدموع

الوجه مقابل الحائط / ص113//".

 

بدئية التعرف من حيث تريد الذكورة النفاذ، وفي هذا النص امتلاك بدئية الجسد مثلما يريد حاصد اللذة.

" وجهها في المرآة " ظهرها في حضني / ص112".

اثر بعد اخر / يختلط ضوء الشمعة بالغبار / والتراتيل / مع الدموع / الوجه مقابل الحائط / ص113.

 

ناجح المعموري

bottom of page