الانثى عطر الفردوس ورائحة الطين
بقلم الأستاذ ناجح المعموري

غلاف الأنطولوجيا الشعرية "حلم بلا أعمدة"، للشاعر صلاح الحمداني، الصادرة عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، 2022 في بغداد

الباحث في الأسطورة والأديان القاص الروائي والناقد الأستاذ ناجح المعموري، يكتب عن الأنطولوجيا الشعرية "حلم بلا أعمدة"، للشاعر صلاح الحمداني
الانثى عطر الفردوس ورائحة الطين
بقلم الأستاذ ناجح المعموري
الاطلاع على ديوان صلاح الحمداني احد احلامي المحملة بالغصون والتقطت منها الكثير من الثمار التي نعرفها نحن القراء المولعين بالأسطورة اكثر من ولعي بالشعر. لكنني التقطت ما ابحث عنه وانا اصطاد الشعر وافرز ما اريد التنقيب فيه والحفر عنه حتى تتراكم الاساطير التي لا حضور لها في الشعر بشكل واضح ومكشوف، بل هي تتشكل عبر مفردات وملفوظات، تبدو غير مألوفة، بل هي من ابتكارات الحمداني، ويتسع المجاز فيها لحظة تكونات المقاطع المكسوة بالغرابة، وما تثيره من الدهشة والرمزيات التي لا تقوى القراءة على تأطيرها بالمعنى الواحد. لأن هكذا معنى يقتل الشعرية الفذة التي يتصل بها القارئ عبر ذكاء الحمداني وهوسه الولوج نحو فضاء جديد علينا ومعروف بالنسبة لنا، لكن الاستمرار بقراءة نصوص "حلم بلا اعمدة" تمنحنا كثيراً من الاحلام التي لا نتمكن من تفسيرها ولا يقوى المستمع على التقاط فرص الحكمة فيها، لكنني انا الذي عرفت الشاعر صلاح الحمداني في باريس وسط مطارها ولوقت طويل وامتد الحوار الثنائي حول مشترك ثقافي، تحمست له، لكني واجهت خيبة عندما تحدثت عن مشروع للتعريف بالأبداع العراقي.
"حلم بلا اعمدة" تجربة شعرية مهمة، احلم ان اجد قارئاً ذكياً لها ونتحاور معاً في قاعة الاتحاد عن مثل هذه التجربة. وسأذهب نحو غراباتي والادهاشات مع اندهاشات قريبة لي وبعيدة عن الكثير. لأني اعرف الغرابة بالذي يتكون لدي وانا اقرأ دهشات الشعرية وعقدها المجنونة والتي اعني بها الاسطورة التي اخترتها عشاً لكل ما اختارته الذاكرة واختزنته بكل ما امتلك من طاقة وتعاملت مع الاسطورة بطريقة مغايرة لا تتماثل مع ما ذهبت اليه الميثولوجيا وانشتراوسيات بل انا اقترحت غواياتي لها الخاصة وهذا ما سيتمظهر في نصوص "حلم بلا اعمدة" الذي منح غواياتي اندهاشات للتسلل لاساطير احلام الحمداني غذتني بهمس الاساطير المبتكرة والحرة تماماً وهي تطل على شرفات بدئية من نوع جديد، هي تومئ ولا تنطق بالمعنى الذي تشير اليه وتبتعد عن الذي عرفته الكتب الانثربولوجية والدراسات المعنية بالطقوس. إنها بدئيات بقولها الشعر وترتعش لتومئ لي لتوقظ خطان ذاكراتي وتقودني لملاحقة المكتوبات على الجدران الطينية.
بدئية الفرات وما فاضت عنه من ماء زلال وما كشف عنه الاله انكي من اسطورة الام الكبرى "ننخرساك". لقد وضعت علاقة دالة على الاصل الاسطوري / البدئي الذي لم يقله الشاعر صلاح الحمداني، بل اومأ له، التمس به، منحه صفة الاسطورة اليوم "لرولان بارت" وانا حزت ثروة الشعرية التي سأعرف بها وانا متجاور معها للغاية، لأنها من عناصر مكونات تجربتي الايروتيكية الخاصة بالجسد. ولا غرابة ان يكون الفرات هو الحاضر، وهو المتوتر برمزية البدئية وممنوحات الام السومرية الاولى.
حنيني يسير الان باتجاه الفرات / سيطرق بابك كالسرب الجائعة للمحبة / رأسي مسمر في حائط المنفى مثل نافذة تطل على الحلم / لا ظل في البئر / سوى هذا الصرير لباب النهار / ص100/.
تلبست الشعرية حنين الاله انكي في الاسطورة السومرية البدئية التي قادها سراب الخلق الاول وضغط جنون السراب ووهم البدئية التي ايقظها الفرات لحظة صحوته ليزاول الادخال ووقف منتصباً كالثور، واختار موسمه الشعري الشهوي حيث لاذت الحياة بالنزو وتدفق ماء القلب حتى امتلاً الفرات بما أشارت له الديانات الاولى.
ولابد من التذكير بأن البدئية الكامنة في الحداثة وما بعدها والتي اشار لها عالم الاجتماع الالماني "دوبان"، حيث حصل التحول بالوقائع المعروفة والموجودات المألوفة وتغيرت القيم والافكار والمعارف وقدمت ما هو جديد، وهذا ما جعل الباب تفقد هدوءها وتصدر صريراً، ليس في الليل وانما في النهار. وتضفي الباب عبر صوتها نحو فعل الام "ننخرساك" التي وقف الاله، البطل، كالثور، ومثل ما فعله صلاح الحمداني، عندما قال " رأس مسمر في حائط المنفى / مثل نافذة تطل على الحلم // هنا تلوذ البدئية الميثية ويطلق الاسطورة الجديدة التي ختل فيها المجاز ومنحها لون.
الشفتين في المساء

Le destin ressemble à ces nuits entières
oubliées dans l’encrier... Salah Al Hamdani
كلما تمرستَ بحلِ عقدُ الحياة
تساقطَ من حولكَ من يتصنعُها... صلاح الحمداني
Site officiel de Salah Al Hamdani
ــ موقع صلاح الحمداني ــ

